كيفية بدء الدعاء وآدابه

كيفية بداية الدعاء: الأسس والآداب

الدعاء هو أحد أسمى وأعظم العبادات في الإسلام، إذ يعد وسيلة قريبة وفعالة للتواصل مع الله تعالى. لقد حث الإسلام على الدعاء في كل الأوقات والمواقف، سواء في السراء أو الضراء، وهو يعد عبادة محببة إلى الله سبحانه وتعالى. وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الكثير من الأدلة التي تبين أهمية الدعاء وفضله، مما يجعل المسلم يحرص على أن يكون دائماً في حالة تواصل مع خالقه. وفي هذا المقال، سنتناول كيفية بداية الدعاء من خلال تناول الأدلة الشرعية، الأسس، والآداب التي يجب أن يتحلى بها المسلم عند الدعاء، بالإضافة إلى كيفية التأكد من أن دعاءك يكون مقبولًا ومؤثرًا.

1. الدعاء: تعريفه وأهمية في الإسلام

الدعاء هو طلب العون من الله عز وجل، سواء كان في الأمور الدينية أو الدنيوية. وهو يعبر عن التوجه الكامل لله عز وجل، والتعلق به في كل وقت وحين، ليشمل كافة جوانب الحياة. وقد ربط الإسلام الدعاء بتوحيد الله عز وجل، حيث يعتبر أسمى صور العبادة. كما أن الدعاء ليس فقط طلبًا لشيء معين، بل هو أيضًا وسيلة لتأكيد عبودية المسلم لله، وتحقيق الاطمئنان في النفس.

ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” (غافر: 60). من خلال هذه الآية نجد أن الدعاء هو حق من حقوق العبد على ربه، وأن الله تعالى يجيب دعاء عباده، بشرط أن يكون الدعاء نابِعًا من الإيمان والتقوى.

2. كيف تبدأ الدعاء؟

أ. افتتاح الدعاء بالتوحيد

من أهم الأسس التي يجب أن يبدأ بها المسلم دعاءه هي التوحيد لله عز وجل، وذلك من خلال الإقرار بوحدانية الله. فقد ورد في الحديث الصحيح: “أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” (رواه الترمذي). هذه الكلمات المباركة هي دعاء قوي، يظهر فيه إقرار المسلم بوحدانية الله، وهو بداية عظيمة لاستقبال الدعاء واستشعار عظمة الله ورحمته.

ب. الصلاة على النبي

من المستحب في بداية الدعاء أن يبدأ المسلم بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من صلى عليّ صلاة واحدة، صلى الله عليه بها عشراً” (رواه مسلم). وهذا يظهر فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أنها تفتح أبواب الرحمة وتساعد على استجابة الدعاء. ويمكن للمسلم أن يقول: “اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.”

ج. استحضار النية والإخلاص

عند بداية الدعاء يجب على المسلم أن يكون مخلصًا في نيته، وأن يقصد بقلبه الدعاء لله وحده لا شريك له، دون أن يكون الدافع من ذلك هو الرياء أو السمعة. في الحديث الصحيح: “إنما الأعمال بالنيات، وإن لكل امرئ ما نوى” (رواه البخاري). الإخلاص في الدعاء يعد من الأسباب الأساسية لتحقيق الاستجابة.

3. الآداب التي يجب مراعاتها عند بداية الدعاء

أ. رفع اليدين في الدعاء

من السنن المستحبة عند الدعاء أن يرفع المسلم يديه، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه عند الدعاء، وقد روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قوله: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا رفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه.” (رواه مسلم). هذه السنة تعد من وسائل التعبير عن التواضع أمام الله، كما أنها تمثل استعدادًا كاملًا لتلقي العون من الله تعالى.

ب. الاتجاه إلى القبلة

يستحب للمسلم عند الدعاء أن يتجه نحو القبلة، خاصةً في صلاة الحاجة أو عند الدعاء في الأماكن المقدسة مثل مكة والمدينة. وقد أشار العلماء إلى أن الدعاء في اتجاه القبلة من الآداب المستحبة، لأن ذلك يضاعف من الأجر ويزيد من تقوى المسلم.

ج. الاعتراف بالذنب

من أبرز الآداب التي يجب مراعاتها في الدعاء أن يعترف المسلم بذنبته ويطلب المغفرة من الله. فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” (رواه الترمذي). الاعتراف بالذنب يفتح أبواب الرحمة والمغفرة أمام العبد، ويظهر تواضعه أمام ربه.

د. الدعاء في الأوقات المستحب فيها

من المعروف أن هناك أوقاتًا مستحب فيها الدعاء، ومنها:

• ثُلث الليل الأخير: حيث يفتح الله أبواب السماء في هذا الوقت ويقول: “من يدعوني فأستجيب له؟” (رواه مسلم).

• يوم عرفة: كما ذكرنا سابقًا.

• عند السجود في الصلاة: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء.” (رواه مسلم).

• بين الأذان والإقامة: فقد ورد في الحديث: “دعوة لا ترد بين الأذان والإقامة.” (رواه الترمذي).

4. الدعاء بأدب وصدق

الدعاء يجب أن يكون بحسن أدب مع الله تعالى. على المسلم أن يدعو الله وهو على يقين بأنه قادر على الاستجابة، دون شك أو تردد. وقد جاء في الحديث: “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.” (رواه الترمذي). من الآداب أيضًا أن لا يتعجل المسلم في طلب الاستجابة، فقد يكون الإجابة تأخيرًا لخير أو صبرًا على البلاء.

من أدب الدعاء أيضًا أن يكون المسلم متواضعًا، لا يدعو الله جهرًا أو بتفاخر، بل يكون قلبه خاشعًا ومتضرعًا لله. كما أن الاستمرار في الدعاء وعدم اليأس أو القنوط من رحمة الله هو من الأسباب التي تؤدي إلى استجابة الدعاء.

5. كيف تضمن أن دعاءك مستجاب؟

الاستجابة ليست محكومة بالوقت أو الطريقة فقط، بل تعتمد أيضًا على صدق النية وطهارة القلب. وفي حال تأخر الاستجابة، ينبغي للمسلم أن يثق في أن الله تعالى يعلم ما هو خير له في الوقت والمكان المناسبين. قد يكون تأخر الاستجابة رحمةً، أو اختبارًا للمؤمن. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، أو تدخر له في الآخرة، أو يصرف عنه من السوء مثلها.” (رواه مسلم).

6. ختام الدعاء

من الجيد أن يختم المسلم دعاءه بحمد الله تعالى والثناء عليه، وأن يكرر ما دعا به ويعبر عن عميق شكره لله سبحانه وتعالى. إذ أن الاعتراف بفضل الله والاعتراف بوجوده في حياتنا يعزز من شعورنا بالأمان والاطمئنان.